اضطرابات الأكل هل هي خيار أو أسلوب حياة؟

image
صورة تعبيرية
مضلل صحه 2024-05-12

شييك : ريما حسن 

من أجل تقليل معدل انتشار اضطرابات الأكل نحتاج إلى زيادة الوعي بالأعراض والأسباب والتأثيرات التي تزيد من احتمالية تطور الاضطراب والإصابة به. ولتحقيق ذلك لا بد من المعرفة بأن هذه الاضطرابات تعد عوامل خطر ويمكن أن تؤثر على أي شخص. في هذا التقرير سنعرض الخرافات المحيطة باضطرابات الأكل، ونلقي الضوء على بعض الحقائق الأساسية، ونوضح ما إذا كانت هذه الاضطرابات اختيارًا أم أسلوب حياة؟




خرافات 

هناك العديد من الأفكار المضللة والخرافات المنتشرة حول اضطرابات الأكل. من بين هذه الخرافات، أن اضطرابات الأكل تصيب النساء فقط، وأنها مشكلة بسيطة يمكن التغلب عليها بالإرادة، وأن الأشخاص المصابون بها يظهرون نحيفين جدًا، وأن اضطرابات الأكل ليست مرضًا خطيرًا الحقيقة هي أن اضطرابات الأكل هي حالات نفسية معقدة تؤثر على الصحة البدنية والنفسية، ويمكن أن تصيب أي شخص بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الخلفية. ولذلك من الضروري زيادة الوعي بهذه الاضطرابات والتعامل معها بجدية وتقديم الدعم والعلاج المناسب للمصابين بها.

ومن الخرافات الشائعة، الاعتقاد بأن اضطرابات الأكل هي اختيار أو أنها أسلوب حياة، قد يؤدي ارتباط عدم الرضا عن شكل الجسم باضطرابات الأكل إلى اعتقاد الناس أن اضطرابات الأكل والسلوكيات الغذائية الغير صحية المرتبطة بها والمصاب بها له القدرة الإرادية على التحكم بسلوكياته الغذائية . 



ما هو اضطراب الأكل

تعرف الجمعية الأمريكية للطب النفسي اضطرابات الأكل بأنه حالات سلوكية تتميز باضطراب شديد ومستمر في سلوكيات الأكل وما يرتبط بها من أفكار ومشاعر مزعجة. يمكن أن تكون حالات خطيرة للغاية تؤثر على الوظيفة الجسدية والنفسية والاجتماعية. تشمل أنواع اضطرابات الأكل فقدان الشهية العصبي، والشره العصبي، واضطراب الشراهة عند تناول الطعام، واضطراب تجنب تناول الطعام المقيد، واضطرابات التغذية والأكل المحددة الأخرى، واضطراب البيكا والاجترار.

وتشتمل اضطراباتُ الأكل Eating disorders على اضطرابات في عملية الأكل أو السُّلُوك الغذائي للشخص، وينطوي ذلك عادة على: تغييرات في نوعية أو كمية الطعام المُتناوَل،  سلوكيَّات أو تدابير يلجأ إليها المصاب لمنع امتصاص الطعام (على سبيل المثال: التقيّؤ المتعمَّد بعدَ تناول الطعام أو استخدام المسهلات)".

"ولكي يصنّف أي سلوك غذائي غير اعتيادي على أنه اضطراب غذائي، يجب أن يستمرَّ هذا السُّلُوك فترةً من الوقت. كما أنه يجب أن يسبِّب ضررًا جسيمًا على صحة الشخص الجسدية وقدرته على أداء أعباء العمل أو الدراسة، أو أن يؤثر هذا السلوك الغذائي بشكل سلبي في تعاملات الشخص مع الآخرين وعلاقته معهم".




أنواع اضطرابات الأكل

هناك مجموعة من أنواع اضطرابات الأكل التي تم تحديدها بواسطة الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5) ومن أهمها اضطراب فقدان الشهية العصبي (Anorexia Nervosa) ويشمل التجويع الذاتي، قلق مفرط بسبب الإدراك المشوه لوزن وشكل الجسم. واضطراب الشره العصبي (Bulimia Nervosa) يشترك مع اضطراب فقدان الشهية العصبي في الخوف من زيادة الوزن والإدراك المشوه لشكل الجسم، لكن الملمح الرئيس لهذا الاضطراب هو وجود تكرار لجلسات تناول الطعام بكميات كبيرة ويتبع جلسات الشره عادةً سلوكيات تفريغ غير صحية لمنع زيادة الوزن، مثل التقيؤ الإجباري أو استخدام المسهلات. واضطراب أكل الولائم أو الحفلات (Binge-eating disorder) حيث يميل المصابون بهذا الاضطراب إلى تناول كميات كبيرة من الطعام دون الشعور بالجوع، ولا يتبع جلسات تناول الطعام هذه سلوكيات تفريغية. وغيرها من أنواع الاضطرابات مثل: اضطراب الوحم واضطراب الاجترار واضطراب تجنب أو محدودية تناول الطعام.


 سلوكيات الأكل

إن سلوكيات الأكل وتناول الطعام تتأثر بشكل كبير بإعلانات وسائل الإعلام عن الجسم النموذجي مما يدفع الكثير من الناس إلى مراقبة نوعية الطعام الذي يتناولونه وكمية السعرات الحرارية أو القيام بسلوكيات لمنع الجسم من امتصاص الطعام مثل التقيؤ المتعمد للطعام أو تناول المسهلات بعد تناول كميات كبيرة من الطعام,أو القيام بتمارين رياضية قاسية من أجل الوصول لهذا النموذج الإعلامي للجسم لكن عدم الرضى عن شكل الجسم ليس هو عامل الخطر الوحيد الذي يزيد من احتمالية تطور اضطرابات الأكل والسلوكيات المرتبطة بها, فقد تلعب العوامل البيولوجية أو النفسية أو الاجتماعية دورا حاسما في تطور هذه الاضطرابات أو قد تجتمع وتتفاعل معا لتطوير الأنماط الغذائية المتعلقة باضطرابات الأكل المختلفة والتي تم إدراجها ضمن الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية MSD5 

تأثير العوامل الوراثية 

تؤثر اضطرابات الأكل مجتمعة على ما يصل إلى 5% من السكان، وغالبًا ما تتطور في مرحلة المراهقة والشباب.وتشير الأدلة إلى أن الجينات والوراثة يلعبان دورًا في سبب تعرض بعض الأشخاص لخطر أكبر للإصابة باضطراب الأكل، ولكن هذه الاضطرابات يمكن أن تصيب أيضًا أولئك الذين ليس لديهم تاريخ عائلي لهذه الحالة. يجب أن يعالج العلاج المضاعفات النفسية والسلوكية والغذائية وغيرها من المضاعفات الطبية. يمكن أن تشمل هذه الأخيرة عواقب سوء التغذية أو سلوكيات التطهير بما في ذلك مشاكل القلب والجهاز الهضمي بالإضافة إلى حالات أخرى قد تكون قاتلة. إن التناقض تجاه العلاج، أو إنكار وجود مشكلة في الأكل والوزن، أو القلق بشأن تغيير أنماط الأكل ليس من غير المألوف. ومع ذلك، فمن خلال الرعاية الطبية المناسبة، يمكن للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الأكل استئناف عادات الأكل الصحية واستعادة صحتهم العاطفية والنفسية.

ساهمت دراسات التوائم  عام 2013 " الوراثة لاضطرابات الأكل " في إحراز تقدم كبير في فهم التأثيرات الوراثية على أمراض الأكل، وتكشف دراسات التوأم أن العوامل الوراثية المضافة تمثل ما يقرب من 40٪ إلى 60٪ من المسؤولية عن فقدان الشهية العصبي، والشره العصبي، و اضطراب الشراهة عند تناول الطعام .




العوامل العصبية البيولوجية

هناك بعض دراسات تشير إلى دور مناطق محددة في المخ، مثل المهاد التحتاني، والنواقل العصبية المرتبطة بها، في تنظيم الشهية. حيث أظهرت دراسة على الحيوان قام بها كل من Hoebel و Titelbaum 1996 بأن أي إصابة في جانب المهاد التحتاني (Hypothalamus)  قد يؤدي إلى فقدان الشهية مما ينتج عنه متلازمة تجويع النفس والتي تشبه ما يحدث سلوكياً في فقدان الشهية العصبي.

وأظهرت الدراسة أن نظام المكافأة في الدماغ  يلعب دورا فاعلا في تكوين اضطرابات الطعام نتيجة لدورها في تنبيه الإشباع أو حب تناول الطعام. على سبيل المثال قد يرتبط انخفاض مستوى السيروتونين والدوبامين والتي هي من النواقل العصبية في الدماغ ومسؤولة عن حالات المكافأة والإثارة القادمة من تناول الطعام بالشعور بالجوع الشديد أو عدم الشعور بالشبع مما يؤدي لسلوكيات غير صحية متعلقة بالطعام.




العوامل الأسرية

وتعد التفاعلات بين أفراد الأسرة الواحدة عامل مهم في تدعيم اضطرابات الأكل وقد أشار Minuchin 1975، في دراساته إلى أن أسر الذين يعانون من اضطرابات الأكل والتي يتصف نظام التفاعل الداخلي فيها بالإهمال للطفل أو الحماية الزائدة أو التسلط، اتصاف الأسرة بأحد هذه الخصائص قد تساهم بشكل غير واعي في تطوير اضطرابات نفسية لدى الطفل والتي تلعب دورا نشطا في اكتساب الطفل سلوكيات أكل غير صحية والتي تعد هذه السلوكيات بمثابة أداة يستعملها الفرد لتجنب التعامل مع الضغوط والمشكلات الأسرية.

عوامل التلازم المرضي

إن اضطرابات الأكل تتلازم مع اضطرابات نفسية اخرى مثل اضطراب المزاج الاكتئاب حيث أوضحت دراسة  أن حالات المزاج السلبي (المزاج الاكتئاب) تؤدي إلى زيادة في استهلاك الطعام لدى الأفراد ممن يتبعون أنظمة حمية أو ممن لديهم اتجاهات مشوهة عن الأكل، وهذا قد يمثل دوراً لتكوين أنماط الامتلاء ثم التفريغ الموجودة لدى المصابين بالشره العصبي .

 

إذا،إن اضطرابات الأكل ليست قرارًا أو نمط حياة بل إنها أمراض معقدة ذات جذور بيولوجية ونفسية واجتماعية تؤثر على تفكير الشخص وسلوكه وعلاقته مع الطعام وجسمه.