من رمز وطني إلى ساحة صراع طائفي: كيف حوّل الإعلام صخرة الروشة إلى خطاب كراهية؟

image
صورة تعبيرية
خطاب كراهية سياسة 2025-09-28



لبنان

شييك : ميرا عيسى 


تكشف نتائج الرصد أنّ الحملة تضمّنت مؤشرات على خطاب كراهية اتّسم بدلالات تمييزية، قد تُسهم في التحريض وتعزيز مناخ الكراهية والانقسام، بما يشكّل تهديدًا للسلم الأهلي.



لم تعد صخرة الروشة في بيروت مجرد معلم طبيعي يرمز لوحدة اللبنانيين، بل تحوّلت في الأسابيع الأخيرة إلى ساحة صراع سياسي وإعلامي، تنعكس عليها كل الانقسامات الداخلية. بين مقال مثير للجدل نشرته النهار وخطاب طائفي يتسلل إلى عناوين الصحف، وصولًا إلى حملة رقمية واسعة حملت وسم #إنّا_على_العهد، بدا المشهد وكأن رمزًا وطنيًا يتعرض لإعادة تعريف قسرية عبر الإعلام ومنصات التواصل. هنا يصبح السؤال: كيف ساهمت اللغة والصورة والحملات المنظمة في تحويل رمز وطني جامع إلى أداة لتأجيج الكراهية والانقسام

في مقال نشرته جريدة "النهار" في 17 سبتمبر/أيلول 2025 بعنوان: "صخرة الروشة بين الرمز الوطني ورسائل حزب الله... صورة تتحول إلى معركة هوية في بيروت" أثار جدلاً واسعًا حول الحدود المهنية في العمل الإعلامي، وما إذا كانت هذه الصياغة تقع ضمن حرية التعبير المشروعة أم أنها تنزلق نحو خطاب الكراهية والتحريض.






تحليل العنوان والصورة 

يعكس العنوان انحيازًا واضحًا، إذ يربط بين حزب الله والهوية اللبنانية عبر رمزية وطنية، بما بفتح المجال أمام استثارة عاطفية لدى القراء. هذا الأسلوب يتجاوز المهنية، ويميل إلى ما يعرف بـخطاب "الشيطنة" الذي يعمق الانقسام ويغذي الكراهية.

أما  الصورة المرفقة بالمقال، فقط تبين -عبر البحث العكسي - أنها لا تعود لذكرى إضاءة الصخرة بصورتي الأمينين السابقين، كما أوحي المقال، بل التقطها المصوّر حسام شبارو لصالح جريدة النهار في 2 يونيو/ حزيران 2025  بمناسبة اليوم العالمي لمواجهة موجات الحر. هنا 


دلالات اللغة المستخدمة  

وفق مؤشر شييك تضمن المقال عبارات تحريضية مثل "معركة هوية"، "نواب العاصمة" و"أهالي بيروت". هذه الصياغات تعزز خطاب "نحن" مقابل "هم"، وتحوّل النقاش السياسي إلى صراع طائفي.

هذا النمط من الخطاب يرسّخ الانقسام المجتمعي ويغذي مشاعر الكراهية والتحيّز تجاه فئات معينة، ويُعد مثالًا واضحًا على خطاب الكراهية الموجه عبر اللغة والتعبيرات الدلالية.

 يوضح الجدول المرفق مجموعة الكلمات والتعبيرات التي وردت في المقال، والتي تحمل دلالات قد تسهم في تغذية مشاعر الكراهية وتعزيز التحيز ضد فئة معينة، ما يعكس أسلوبًا لغويًا يميل إلى التحريض بدل الالتزام بالحياد المهني.


الكلمات


الدلالات

حماية الطابع الوطني والرمزي للصخرة 

تُستخدم هذه العبارة كتبرير لإقصاء حزب الله من المشهد الوطني.

رفع صورة نصر الله على صخرة الروشة 

تكرار العبارة يُؤجج العداء الطائفي ضد شريحة محددة.

يُستخدم هذا الفعل كذريعة لإثارة الرفض الطائفي، وتأجيج المشاعر السنية ضد الشيعة. 

إخراج حزب الله من الضاحية الجنوبية الى بيروت 

هذه الجملة تمسّ بالكرامة، فهي تحمل في طياتها لغة الإقصاء ورفض الآخر و تترافق مع خطاب استعلائي طائفي، يصور الضاحية كمكان "منبوذ" يجب ألا يمتد إلى بيروت.

تطبيع صورة حزب الله

الخطاب الرافض لهذا "التطبيع" يُصور حزب الله كـ"عدو داخلي"، وليس كمكوّن من مكونات المجتمع.

مساحة رمزية للطائفة السنية 

تعزز الفصل الإجتماعي والانقسام الطائفي دون فائدة تحريرية واضحة. 


عدوى النشر

خلال رصد معدّة التقرير لتغطية وسائل الإعلام، تبين أن عدة مواقع تناولت خبر صورة نصر الله على صخرة الروشة في بيروت، مع التركيز على مواقف النواب وردود فعل المواطنين. 

فقد نشرت قناة العربية بتاريخ (17 سبتمبر / أيلول 2025) مقالًا بعنوان: "صورة نصر الله على صخرة الروشة.. تفجر زوبعة في لبنان"، مستعرضة آراء النواب وأهمية الصخرة كمعلم سياحي. هنا

كما تناولت قناة سكاي نيوز الموضوع بتاريخ (19 سبتمبر/ أيلول 2025) بمقال بعنوان: "صورة حسن نصر الله على صخرة الروشة في بيروت.. تثير الجدل"، مُنتقدة الإعلان وموضحة أنه تم دون تنسيق مسبق مع بلدية بيروت. هنا

كما رصدت معدة  التقرير مقال جريدة الشرق الأوسط بتاريخ (17 سبتمبر/ أيلول 2025) بعنوان: "رفض لبناني لرفع صورتي نصر الله وصفي الدين على صخرة الروشة" نشر فيه تفاعل فئة من المواطنين وبعض من النواب على هذا الخبر. هنا



جميعها عززت الخطاب نفسه، مركّزة على الانقسام المجتمعي أكثر من أي تناول تحليلي متوازن.


لغة التحريض على منصات التواصل 

أجرت معدة التقرير تحليلًا باستخدام عينة عشوائية من التغريدات التي تناولت موضوع وضع صور الأمينين العامين السابقين على صخرة الروشة.

و أظهر التحليل وجود العديد من العبارات والكلمات التي تحمل طابع التحريض والهجوم والكراهية، مثل اتهام بعض الأطراف بـ«فقدان الشرف والنخوة»، واستخدام تعبيرات تحقيرية كالقول «بتكتبوا عورقة وبتنقعوا وبتشربوا عالريق». كما تضمن الخطاب وصف النشاط بأنه «استفزاز» و«تحدي» للرمز الوطني، وتكرار تحذيرات من «التعدي على رمز وطني جامع» وتحويل الصخرة إلى «منصة استعراضية حزبية». ترافق ذلك مع دعوات ضمنية لفصل الرموز الوطنية عن الانتماءات الحزبية، مما يعكس استقطابًا حادًا وخطابًا يشكل خطرًا على وحدة الحوار المجتمعي، ويبرز كيف يمكن أن يؤدي الخطاب الإعلامي عبر منصات التواصل إلى تفاقم الانقسامات الاجتماعية والسياسية في لبنان. هنا، هنا،  هنا، هنا، هنا، هنا، هنا.



لغة عالية

وخلال البحث باستخدام الكلمات المفتاحية عن الصحفي اسكندر خشاشو، تبيّن أنه تناول في مقالات منشورة على مواقع مختلفة موضوع حزب الله وخطابه السياسي والإعلامي.

ففي مقال لع على موقع kataeb.org بتاريخ 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بعنوان "العنف والتخوين.. استراتيجية حزب الله لترويض الإعلام" متهماً الحزب بالاعتداء على الصحافيين قبيل حرب ايلول، وقال أنهم "زمرة زعران" و"ميليشيات".هنا

هذا المقال يستخدم خطابًا عالي التحريض ونبرة كراهية واضحة تجاه "حزب الله" وأنصاره، من خلال تعابير مثل "ذباب إلكتروني"، "التخوين والتصهين"، "ترويض الإعلام"، "الاعتداءات اليومية"، "الضغط والتهديد"، و"استراتيجية الترهيب".  

كما كتب في جريدة "النهار" بتاريخ 26 أغسطس/آب 2025. مقالًا بعنوان: خطاب قاسم: إقفال باب الحلول؟ هنا

يطرح هذا المقال خطاب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على أنه "إقفال باب الحلول"، أي رفض أي حل سياسي داخلي، مواجهة مباشرة مع الدولة اللبنانية، ورفض النظام السياسي ومؤسساته. رفض منطق "الخطوة مقابل خطوة"، أي رفض مبدأ التنازلات المتبادلة.


أحداث مشابهة 

في 22 سبتمبر/ أيلول 2018، أُضيئت صخرة الروشة في بيروت بألوان العلم السعودي، احتفالًا باليوم الوطني الثامن والثمانين للمملكة العربية السعودية، وذلك في فعالية رسمية حضرها السفير السعودي في لبنان، وليد بن عبد الله بخاري، إلى جانب عدد كبير من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدبلوماسية اللبنانية والعربية. هنا.

وفي مايو/ أيار 2025، أُعيد إضاءة الصخرة مرة أخرى، هذه المرة بألوان علم دولة الإمارات العربية المتحدة، في مبادرة رمزية جاءت ترحيبًا بعودة أول رحلة جوية إماراتية إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بعد انقطاع استمر لعدة سنوات بين البلدين.


قرار الحكومة 

في مساء الخميس، 25 سبتمبر/ أيلول 2025، أقدم حزب الله على إضاءة صخرة الروشة في بيروت بعرض تصويري لوجهي الأمينين العامين السابقين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، رغم قرار الحكومة بمنع ذلك. رصدت معدة التقرير عينة عشوائية من تفاعلات المستخدمين على منصة "إكس"، حيث أظهرت ردود استياء واعتبر البعض الخطوة تعديًا على الفضاء العام وتحديًا لهيبة الدولة. ونشرت  قناة "الحدث" هذه الواقعة، مؤكدة أن الحزب خرق قرار رئيس الحكومة بتصرفه المنفرد، في رسالة سياسية تهدف إلى التمرد على مؤسسات الدولة. في منشور للقناة عبر منصة "إكس":"أضاء صخرة الروشة في بيروت بصورته، ورفع أعلام إيران، واتّهم حكومة نواف سلام بـ'العمالة'... حزب الله يتحدّى الدولة اللبنانية بإحياء ذكرى اغتيال زعيمه السابق حسن نصرالله." هنا 


وكان رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام قد غرد على منصة "إكس" بتاريخ 25 سبتمبر/ أيلول، مؤكداً أن ما حصل في منطقة الروشة يشكل مخالفة صريحة لمضمون موافقة محافظ بيروت التي نصت على عدم إنارة صخرة الروشة أو بث أي صور ضوئية عليها. وطلب سلام من وزراء الداخلية والعدل والدفاع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتوقيف الفاعلين وإحالتهم للتحقيق، محذراً من أن هذا التصرف يشكل انقلاباً على الالتزامات ويضر بمصداقية الجهة المنظمة، لكنه شدد على أن ذلك لن يثني الحكومة عن بناء دولة القانون والمؤسسات.


تأثير هاشتاغ #إنّا_على_العهد في الحملة الإعلامية

سجل هاشتاغ #إنّا_على_العهد نشاطًا ملحوظًا خلال الفترة من 19 إلى 26 سبتمبر/أيلول 2025، حسبما أظهرت تحليلات أداة TweetBinder لأداء الهاشتاغات والمنشورات على منصة إكس. تميز هذا النشاط بتنوع المنشورات بين الأصلية والردود وإعادة النشر، محققًا قيمة اقتصادية تقدر بأكثر من 377 دولارًا.

خلال هذه الفترة، تم نشر 33 منشورًا تنوعت بين منشورات أصلية، ردود، وإعادة نشر، وبلغ إجمالي الانطباعات الفعلية 1,752 انطباعًا، بينما قُدر الوصول المحتمل للمستخدمين بنحو 140,581، مع انطباعات محتملة وصلت إلى 146,927. من حيث نوع المحتوى، استحوذت المنشورات التي تضمنت روابط وصور على النسبة الأكبر بنسبة 57.58% (19 منشورًا)، تلتها إعادة النشر بنسبة 33.33% (11 منشورًا)، ثم الردود بنسبة 9.09% (3 ردود)، في حين لم تتجاوز المنشورات النصية نسبة 3.03% (منشور واحد فقط).



على صعيد المساهمين، بلغ عددهم الإجمالي 31 مساهمًا، بمتوسط 1.06 منشور لكل مساهم، فيما بلغ متوسط عدد متابعي كل مساهم 4,534.87 متابعًا. سجل التقرير أيضًا 22 منشورًا أصليًا بمساهمة 22 مستخدمًا، بمعدل منشور أصلي واحد لكل مساهم.

حساب @DurazMirror صفحة إخبارية بحرينية معروفة بصوتها الجريء في الدفاع عن القضايا الإنسانية والسياسية، وحقق أحد منشوراتها أعلى قيمة سوقية ضمن الوسوم المرتبطة بحملة #إنا_على_العهد بقيمة 131.77 دولارًا، بينما وصلت القيمة السوقية إجمالًا للحساب إلى 119.79 دولارًا، مما يعكس تأثير المحتوى والمشاركة الفعالة في الحملة. يركز الحساب على قضايا الاضطهاد الطائفي، منع صلاة الجمعة في جامع الإمام الصادق بالدراز، و تخليد شهداء البحرين، مع إدانة اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، وينقل تقارير ميدانية عن اعتقالات و استنفارات أمنية. يتابع الحساب حوالي 46,628 شخصًا، مع نشاط يومي متزايد خلال المناسبات والذكريات السنوية، ويجمع في خطاباته بين الطابع الإخباري والعاطفي لدعم المقاومة الفلسطينية والقضايا الشيعية المحلية.


تعكس هذه الأرقام مدى التفاعل المستقر مع الحملة الرقمية، مع اعتماد واضح على الوسائط المرئية والروابط كوسائل رئيسية لجذب الانتباه وتعزيز الانتشار والوصول، مما يدل على الأثر الواضح لهذا الهاشتاغ في دعم وتفعيل الحملة الإعلامية على منصة إكس.


مخالفة مهنية 

تُعتبر وسائل الإعلام التي تنشر مواد تحرّض ضد فئة معينة أو تأجج الطائفية مخالفة مهنية واضحة لانحرافها عن رسالتها الأساسية في خدمة المصلحة العامة وحماية السلم الأهلي، مما يخرق ميثاق الشرف الصحافي القائم على النزاهة والموضوعية وعدم التمييز. لذلك، يجب على الوسيلة الإعلامية التحقق بدقة من المحتوى قبل نشره والتأكد من خلوه من خطاب الكراهية أو التحريض، ووضع سياسات تحريرية ترفض كل أشكال التمييز وتعزز ثقافة التنوّع والاحترام المتبادل، مع التمييز بين حرية التعبير المشروعة وخطاب الكراهية الذي يهدف إلى الإضرار بفئة معينة، وذلك وفقًا لمبادئ المادة 3 من ميثاق الشرف الإعلامي اللبناني الذي يحظر التمييز العنصري والتجريح والاعتداء على كرامة الأشخاص.


خطة عمل الرباط

تقترح خطة عمل الرباط ضرورة التمييز بين حرية التعبير المشروعة وخطاب التحريض المجرَّم، مستندة إلى المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تكفل حرية الرأي والتعبير، وإلى المادة 20 التي تُلزم الدول بحظر "أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف". 



النتيجة 

 أظهر الرصد أن الحملة تضمّنت دلالات تمييزية تعكس خطاب كراهية، من شأنها التحريض بين الفئات المختلفة وتعزيز مناخ الكراهية، بما يهدد السلم الأهلي.