الكوميديا السوداء كغطاء لخطاب كراهية ممنهج ضد النساء في لبنان

image
صورة تعبيرية
خطاب كراهية سياسة 2025-10-02

لبنان

شييك:  ميرا عيسى


يكشف التقرير تصاعد حملات خطاب الكراهية ضد النساء على منصات التواصل الاجتماعي، مع تنميط وتمييز ملحوظ وارتفاع العنف اللفظي القائم على النوع الاجتماعي.




الكوميديا السوداء والسخرية من الأدوات الفنية ذات الطابع النقدي الحاد، تهدف في جوهرها إلى تسليط الضوء على التناقضات الاجتماعية والسياسية والإنسانية، وغالبًا ما تُستخدم لكسر التابوهات أو مناقشة القضايا الحساسة بطريقة غير تقليدية. ومع ذلك، فإن هذه الأدوات ليست محصنة من الانزلاق إلى خدمة أجندات سلبية، كخطاب الكراهية. 

في كثير من الأحيان، تُغلّف الإهانات بطابع "ساخر" أو "فكاهي"، ما يجعلها أكثر قبولًا أو أقل إثارة للاعتراض في نظر الجمهور. فإلى أي مدى يمكن أن تساهم الكوميديا السوداء في ترسيخ الصور النمطية وتعزيز الكراهية؟


الكوميديا تتحول إلى كراهية على منصات التواصل

أجرت معدة التقرير تحليلاً باستخدام عينة عشوائية من التغريدات على منصة "إكس" من تاريخ 17 أغسطس/آب 2025 إلى 28 سبتمبر/أيلول 2025، والتي تضمنت محتوى ساخرًا أو يحمل طابع الكوميديا السوداء موجّهًا نحو النساء اللبنانيات، ومن بينهن إعلاميات وسياسيات. 

وقد أظهر التحليل أن عددًا من هذه التغريدات لا يستند إلى نقد مهني أو موضوعي، بل يركّز بشكل مباشر على جنسهن أو مظهرهن الخارجي، ويتضمّن تعليقات تهكمية وتنمّراً واضحاً، فكلمات مثل:" ما حدا بيطلع بشكلها"، "نخابرك فيما بعد"، " نشحطها لكبرلاء لتتمتع هونيك"، "مقطعة وموصلة"  هي تعابير مبتذلة وجارحة تخلو من أي قيمة نقدية حقيقية، ما يُعدّ شكلاً من أشكال العنف اللفظي والتحرّش الإلكتروني الذي يُمارس ضد النساء في الفضاء الرقمي، ويعكس تطبيعاً لخطاب كراهية موجه على أساس النوع الاجتماعي. هنا ، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا





 


دلالات اللغة المستخدمة


في 6 سبتمبر/ أيلول 2025 قام مراسل قناة المنار، علي برو، بنشر فيديو عبر حسابه على منصة "إكس"،  بالسخرية من الإعلامية مي شدياق، مستخدمًا عبارات مثل: "بلاستيك بحياتو ما بيجرح"، "حية"، "نحاس ألمنيوم إنتِ"، "نص امرأة"، و"مقطعة وموصلة"، وحاز الفيديو 59.6 ألف مشاهدة أي ما يقارب 60 ألف. وهو ما يصنف خطاب كراهية وفق "مؤشر شييك". هنا 

الجدول المرفق يوضح بعض الكلمات التي وردت في الفيديو والتي تحمل دلالات تغذي الكراهية ضد المرأة، وتساهم في تنميطها والتقليل من شأن مي شدياق بسبب إعاقتها الجسدية:


الكلمات



الدلالات

"بلاستيك بحياتو ما بيجرح"

تشبيه ساخر، يوحي بأن الشخص غير قادر على إيذاء أحد، وكأن وجوده بلا قيمة أو تأثير. 

"حية"

اتهام بالشراسة والخداع. وعادة ما يتم وصم المرأة  في هذا التشبيه

"نحاس ألمنيوم إنتِ" 

تعبير يقلل من قيمتها الإنسانية، وهي دلالة على  إعاقتها . 

"نص امرأة"

تهجم مباشر على الأنوثة والهوية، وكأنها شخص ناقص أو لا تستحق الاحترام الكامل كامرأة.

"مقطعة وموصلة"

إشارة جارحة إلى الحالة الجسدية وإعاقتها. 

تُستخدم للسخرية من شكل الجسد بطريقة لا إنسانية، ما يعد استهزاءً قاسياً وغير أخلاقي. 



فيرا يمين

من جهة أخرى، علّق الصحافي اللبناني الذي يشارك بانتظام في البرامج الحوارية السياسية؛ ألان سركيس في مقابلة له مع منصة "السياسة" بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2025 على موقف السيدة فيرا يمين، التي كانت قد أيدت وضع صورة حسن نصر الله على صخرة الروشة. وقد استخدم سركيس عبارات تقلل من شأنها، منها: "طول عمرها بتلحس صرامي"،  "عايشة تحت صباط"، وتدل على العيش بالذل والخضوع والخنوع، و"الذمية"، هي مصطلح تحقيري، تشير إلى غير المسلمين الذين عاشوا في ظل الحكم الإسلامي وكانوا يدفعون الجزية مقابل الحماية، ويُستخدم اليوم كإهانة طائفية توحي بالخضوع أو "العيش تحت رحمة الآخر"، وغالبًا ما تُستعمل في سياق طائفي بهدف التحريض أو التحقير. هنا 








 الصحافية اللبنانية غدي فرنسيس

وفي منشور بتاريخ 28 أغسطس/آب 2025 على منصة "إكس"، وجّه حساب يُدعى @AboJAFFAR2020 هجوماً حاداً على الصحافية اللبنانية غدي فرنسيس، مستخدماً لغة تنطوي على عنف رمزي واضح، لا سيّما تجاه كونها امرأة تعبّر عن رأيها في الشأن العام. 

وطالب صراحةً بـ"سحب الجنسية اللبنانية" منها، بزعم أنها "لا تنتمي إلى الفكر الوطني"، مستخدماً عبارات ذات طابع إقصائي ومُشيطن مثل: "ترحيل"، "هذه الكائنات"، و"سحب الجنسية"، وهي عبارات تُشكّك بحقها في الانتماء ووجودها كمواطِنة كإمرأة فاعلة في الفضاء العام.

هذا النوع من الخطاب يُعبّر عن مزيج من التمييز السياسي والذكوري، حيث تُستهدف المرأة التي تملك صوتاً ورأياً حاداً بوصفها "خطرًا" يجب إقصاؤه، لا من باب الاختلاف في الرأي فحسب، بل من منطلق سلبها شرعيتها كمواطِنة. 


من الفكاهة إلى الإهانة: "المسبات" نموذجاً 

فن الكوميديا السوداء، الذي يفترض أن يُحفّز التفكير، غالباً ما يُساء استخدامه في الفضاء الإعلامي، حيث تُبرَّر الإهانات والشتائم تحت غطاء "الفكاهة السوداء".

من خلال تتبع معدة التقرير هذه العينات على وسائل التواصل الاجتماعي، تبين أن في كثير من الأحيان، تتحول هذه الكوميديا إلى وسيلة للتنمر والتجريح، لا سيما عندما تتضمن شتائم صريحة أو تعابير تحقيرية تمس الكرامة الإنسانية. هنا، هنا، هنا  

تقع بعض وسائل الإعلام في فخ خطاب الكراهية  نتيجة غياب المعايير المهنية، والسعي وراء الإثارة والتفاعل على حساب الأخلاق الصحفية. كما تلعب الأجندات السياسية والتحيّزات دورًا كبيرًا في تبرير استخدام لغة تحريضية. 

ومع ضعف الرقابة وتطبيع الجمهور مع العنف اللفظي، تصبح الإهانات والشتائم جزءاً مقبولاً من الخطاب الإعلامي، مما يُفقد الرسالة مضمونها الأخلاقي ويحول السخرية إلى أداة إقصاء لزرع الكراهية. 


رندلى جبور

في 1 اكتوبر/ تشرين الأول 2025 نشر حساب @haddad_ernest صورة للإعلامية رندلي جبور، مرفقًا بتعليق يزعم فيه أنها "متحوّلة جنسياً وسياسياً"،" ومتحولة دينيا وسياسيا"،. هنا

 ويُعدّ هذا المنشور نموذجاً صارخاً لخطاب الكراهية والعنف اللفظي القائم على النوع الاجتماعي، إذ يعكس نظرة تمييزية وعنصرية جنسية تستهدف النساء، لا سيما العاملات في المجال الإعلامي والسياسي، عبر استخدام السخرية والإهانات للتقليل من شأنهن والنيل من هويتهن ومعتقداتهن.




التنميط 

يُمارس تنميط المرأة في الإعلام من خلال حصرها في أدوار تقليدية أو التعامل معها من خلال قوالب جاهزة تستند إلى جنسها لا إلى كفاءتها. 

فعندما تكون المرأة فاعلة في المجال السياسي أو الإعلامي، غالبًا ما تُواجَه بأسئلة أو تعليقات لا تُوجَّه للرجال، تتعلّق بمظهرها، حياتها الخاصة، أو سلوكها الاجتماعي، وكأن وجودها في الحيّز العام مشروط بمطابقة معايير "الأنوثة المقبولة". 

يتم تقزيم إنجازاتها عبر التشكيك في دوافعها، أو ربطها بعلاقات شخصية مفترضة، أو حتى استخدام حياتها الخاصة كوسيلة لإسكاتها أو تشويه صورتها. 

ديما صادق

في 10 سبتمبر/ أيلول 2025، نشر مراسل قناة المنار، علي برو، فيديو عبر منصة "إكس" يردّ فيه على الإعلامية ديما صادق، حيث حمل معه في المقطع صورة السياسي الراحل محمد شطح، مرفقًا بالعبارة: "الله يرحمه"، وقد نال الفيديو 59.6 ألف مشاهدة. 

ورغم أن الفيديو لا يصرّح مباشرة بأي اتهام، إلا أن الإشارة الضمنية لعلاقة شخصية مزعومة بين ديما وشطح – وهي معلومات غير مؤكدة – جاءت لتُلمّح إلى نوع من التشهير الأخلاقي والتقليل من شأنها كامرأة، ضمن إطار ساخر و تحريضي في آنٍ واحد. 

وقد استخدم برو في الفيديو عبارات مثل: "يا عالم الغلط إنت"، "نخابرك فيما بعد"، و"ديما صادق تهمة كبيرة"، وهي تعابير تُحمّل المرأة دلالات سلبية تُخرِجها من فضاء النقاش العام و تحصرها في 

موقع الشبهة والتقليل والابتذال، ما يُعد شكلاً من أشكال العنف الرمزي القائم على النوع الاجتماعي. هنا




 

مخالفة مهنية 

يزداد خطاب الكراهية القائم على النوع الإجتماعي، فلطالما كانت النساء عرضةً لها بخاصة أثناء النزاع وحالات الطوارئ. 

ففي السياق اللبناني، هذا النوع من "الكوميديا" قد يُشكّل جريمة تشهير وقدح وذم علني، إذ تضمّن إهانة مباشرة أو إيحاءات تسيء إلى سمعة الأشخاص، خاصة عندما يتم التداول بها على منصات عامة وذلك  وفق المادة 3 من ميثاق الشرف الإعلامي والتي نصَت على حرص وسائل الإعلام اللبنانية على رفض مبادئ التمييز العنصري، والامتناع عن التعرض بطريقة مباشرة او غير مباشرة للطعن بكرامة الناس وعدم التدخل في شؤونهم الشخصية أو الخاصة وعدم التجريح بهم. وكذلك في قانون العقوبات اللبناني، عرّفت المادة 385 من قانون العقوبات الذم بأنه نسبة أمر الى شخص (ولو في معرض الشك أو الاستفهام) ينال من شرفه أو كرامته، عاقبت المادة 582 من قانون العقوبات على الذم بأحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 بالحبس حتى ثلاثة أشهر وبالغرامة حتى المئتي ألف ليرة، أو بإحدى هاتين العقوبتين. ويقضي بالغرامة وحدها إذا لم يقع الذم علانية. 

أما القدح هو كل لفظة إزدراء أو سباب وكل تعبير أو رسم ينمان عن التحقير إذا لم ينطوِ على نسبة أمر ما (م 385/2 عقوبات). فهو كل تعبير يخدش الشرف والاعتبار، أو كل إلصاق لعيب أو تعبير يحط من قدر الشخص نفسه أو يخدش سمعته لدى غيره. 

و عاقبت المادة 584 من قانون العقوبات على القدح في أحد الناس المقترف بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 209 وكذلك على التحقير الحاصل بإحدى الوسائل الواردة في المادة 383، بالحبس من أسبوع الى ثلاثة

 أشهر أو بالغرامة من خمسين ألفاً إلى أربعمائة ألف ليرة. ويقضي بالغرامة وحدها إذا لم يقترف القدح علانية.

وبالتالي، فإن استخدام الكوميديا السوداء كوسيلة للنيل من المرأة، أو التشكيك في انتماء أفراد أو تحقيرهم أمام الرأي العام، لا يُعد تعبيراً فنياً مشروعاً، بل يُمثّل عنفاً لغوياً ممنهجاً يخضع للمساءلة القانونية، خاصة حين يتحول الإعلام أو المنصات الرقمية إلى ساحة لتبرير هذا العنف بحجّة "السخرية".


خطة عمل الرباط

تقترح خطة عمل الرباط التمييز بين حرية الرأي والتعبير وخطاب الكراهية، فإذا تضمنت السخرية إشارات إلى هوية الشخص (كالنوع الاجتماعي، الدين، الانتماء السياسي...) بطريقة تحقيرية أو تحريضية، فإنها تدخل في نطاق خطاب الكراهية، وهو ما يُعتبر مخالفة واضحة لمبدأ عدم التمييز وحرية التعبير المسؤولة، التي تكفلها المواثيق الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة 20، التي تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.


النتيجة 

أظهر الرصد تعرض النساء لحملات خطاب كراهية متزايدة على منصات التواصل الاجتماعي، تتضمن التنميط والتمييز بالإضافة إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات العنف اللفظي المبني على أساس النوع الاجتماعي.