"مسيحيون ذميون" هل بات الدين معيار الانتماء السياسي؟

image
صورة من الفيديو المتداول
خطاب كراهية سياسة 2025-10-06



لبنان

شييك : كريم عطيه


بعد بث قناة إم تي في تقرير مصور، شهد المقطع تداولًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي تحت وسم #مسيحيون_ذميون، محققًا جدلاً حادًا طغى عليه البعد الطائفي والانقسام السياسي.


في 29 سبتمبر/أيلول 2025، نشرت قناة "إم تي في" تقريرًا بعنوان مسيحيون ذميون في جعبة "حزب الله"، يرصد التقرير وجود تعبيرات وألفاظ طائفية ودينية في الخطاب السياسي اللبناني خلال الذكرى الأولى لاغتيال حسن نصر الله. يعرض التقرير وقائع تم توثيقها من الخطاب العام ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر استخدام مصطلحات تحمل دلالات حساسة قد تسهم في تأجيج الانقسامات الطائفية والسياسية. في ظل هذه المعطيات، إلى أي مدى يعكس هذا الخطاب واقعًا سياسيًا واجتماعيًا، وإلى أي حد يمكن أن يؤثر في تعزيز الانقسامات داخل المجتمع اللبناني؟ مؤرشف 




تفاعل الجمهور

شهد التقرير الذي نشرته قناة "إم تي في" في 29 سبتمبر/ أيلول 2025 تفاعلاً واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي، إذ تضمن انتقادات موجهة إلى أبناء الدين المسيحي المؤيدين لـ "حزب الله"، مستخدمًا كلمة "ذميون"، و"الذمي" هو مصلح كان يستخدم في الدولة الإسلامية قديما ويصف غير المسلم، ويعني اللفظ بحسب قاموس المعاني: "المُعاهَدُ الذي أعطِي عهدًا يأمنُ به على ماله وعرضه وديِنه"، ومع مرور الزمان حمل المصطلح دلالات تمييزية قد تكون محل جدل بين خطاب نقدي وعبارات تحمل تمييزًا دينيًا أو طائفيًا قد تصل في بعض الأحيان إلى مستوى خطاب الكراهية. 


أثار استخدام المصطلح موجة من النقاش الحاد على وسم #مسيحيون_ذميون الذي تصدّر قائمة الترند في لبنان، مع إعادة نشر واسعة لمقطع التقرير وتفاعل متنوع بين مؤيد ومعارض.


تحليل مضمون الخطاب يُظهر أن التعبيرات المستخدمة قد تتخطى حدود النقد السياسي لتصل إلى التحريض، إذ إن توظيف كلمات ذات دلالات دينية تمييزية يزيد من توتر الحساسية المجتمعية ويغذي انقسامات يمكن أن تتطور إلى عنف أو خطاب كراهية أعمق. وغالبًا ما تعزز هذه الخطابات منطق"نحن" مقابل "هم"، مما يقوض الحوار المجتمعي السلمي ويُرسّخ فكرة التمييز على أساس الانتماء الديني والسياسي، وهو ما يتطلب حذرًا إعلاميًا ومجتمعيًا في التعامل مع هذه القضايا.

تتبع معدّ التقرير وسم #مسيحيون_ذميون، حيث تجاوزت مشاهدات تغريدة قناة "إم تي في" على منصة "إكس"  أكثر من 74,500 مشاهدة، مع 14 إعادة نشر و221 إعجابًا، إضافة إلى تحميل المقطع الرسمي وإعادة نشره عبر عدة حسابات، مما يعكس انتشارًا وتأثيرًا واسعًا. 

تحليل الكلمات المستخدمة كشف توظيف مصطلح "ذميون"، المصطلح الذي بات يحمل دلالات تمييزية - بما قد يشكل خطاب كراهية وتحريضًا ضد المسيحيين المؤيدين لـ"حزب الله"، ويغذي الانقسامات الدينية والطائفية في لبنان. يُظهر هذا الاستخدام خطورة تكمن في تعزيز خطاب التمييز والتحريض الطائفي، مما يتطلب وعياً إعلامياً ومجتمعياً لتفادي تصعيد هذه الخطابات التي تهدد التعايش الاجتماعي.هنا هنا  هنا  هنا هنا هنا


 وسم #مسحيون_ذميون 


استخدم فريق شييك أداة Tweet Binder لرصد التفاعل الواسع الذي حققه وسم #مسحيون_ذميون على منصة إكس. حتى تاريخ 3 أكتوبر 2025، سجل التقرير 200 منشور، وهو الحد الأقصى الذي تسمح به الأداة، ما يشير إلى أن حجم التفاعل الفعلي على الوسم قد يكون أعلى بكثير.

بلغت نسبة إعادة النشر 70%، (140 إعادة نشر)، وهو ما يعكس الانتشار الواسع والتعميم الذي صاحب بث المقطع بين رواد المنصة. من حيث التأثير، سجل الوسم نحو 548,136 انطباعًا محتملاً، و412,714 وصولًا محتملاً، وهي أرقام مرتفعة بالنسبة لعدد المساهمين في النشر (124 مستخدمًا). ويشير ذلك إلى أن انتشار الوسم جاء بفعل إعادة نشره من قبل حسابات مشهورة، ما ساهم في وصول المقطع إلى جمهور كبير.



وفق التحليل الذي قدمته Tweet Binder، بلغت القيمة الاقتصادية لوسم #مسحيون_ذميون 855.59 دولارًا حتى تاريخ 3 أكتوبر 2025، بمتوسط قيمة 4.28 دولارًا لكل منشور، ومتوسط قيمة المستخدم 6.90 دولارًا.


حقق منشور حساب @chokyA28 أعلى قيمة، بلغت 64.93 دولارًا، ويبلغ عدد متابعي الحساب حوالي 21,684 شخصًا. يركز الحساب على نشر كل ما يتعلق بالأحداث في لبنان، مع إبراز تحليل كريس (صاحبة الحساب) لمواقفها السياسية الداعمة لحزب القوات اللبنانية. تم إنشاء الحساب في يونيو/حزيران 2012، وتوضح السيرة الشخصية أن كريس سيدة لبنانية من الطائفة المارونية، من مدينة البترون شمال لبنان، وتنتمي إلى حزب القوات اللبنانية.


خطاب كراهية 

بعد متابعة التقرير، تبيّن أن العنوان يحتوي على لهجة خطاب كراهية واضحة من خلال استخدام عبارة "مسيحيون ذميون"، فيما اتسم محتوى التقرير بالهجومية تجاه فئات وشخصيات محددة. على سبيل المثال، وردت عبارات مثل: "فهذا لا يعني أن نصرالله مثلهما الأعلى"، و"فهذا لا يعني أن نصرالله صار قديسًا"، إضافة إلى عبارات أخرى مثل "فقط نكاية بالقوات"، و"كره السياديين زمن العونيين قد ولى…"، وهي عبارات تحمل في مضمونها رسائل تحريضية وتغذي خطاب الكراهية.

هذا النوع من الخطاب يُستخدم غالبًا بهدف شحن المشاعر الطائفية، ما يرفع احتمالية تصادم الأطراف اللبنانية وتفاقم الخلافات على المستويين الشعبي والرسمي. وبفعل بث التقرير، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر والانقسام الداخلي، وتعزيز الانقسامات المجتمعية والسياسية بين مختلف الأطراف اللبنانية.

 

دلالات اللغة المستخدمة

أظهرت مراجعة دقيقة لمضمون التقرير لغة تحمل نبرة تحريضية وتمييزية استهدفت نشطاء وفنانين وإعلاميين مؤيدين لـ«حزب الله»، وهو ما يتجاوز الخطوط المهنية في العمل الإعلامي. كما استخدمت عبارات وتصنيفات جغرافية مستهدفة نحو من شاركوا في إحياء ذكرى نصر الله أو تفاعلوا مع منشورات متعلقة بها، مما يعزز نمط خطاب الكراهية والتحريض الطائفي. يعرض الجدول المرفق نماذج من هذه الكلمات والعبارات التي تؤكد هذا التوجه التمييزي، والذي قد يفاقم من الانقسامات الاجتماعية والسياسية إذا لم يتم التعاطي معه بحذر ومسؤولية إعلامية.  

وقد ورد في التقرير عبارات مثل "هذا لا يعني أن نصرالله مثلهما الأعلى" كان المقصود بها الاعلامية فيرا يميين و المدرب غسان سركيس أما عبارة "هذا لا يعني أن نصرالله صار قديسا فجاءت ردا على مقطع الإعلامية رندلا جبور كذلك أتى التقرير على ذكر كل من الممثلان يوسف و رودني حداد بإعتبار أن "الحقد على القوات اللبنانية تحول إلى مبايعة حزب الله  فقط نكاية بالقوات"



اللغة المستخدمة

دلالات اللغة المستخدمة 

مسيحيون ذميون

تشير العبارة إلى الأشخاص الذين يُنظر إليهم على أنهم خرجوا عن تعاليم الدين المسيحي، لكنها تحمل في طياتها إهانة لأبناء الدين المسيحي عمومًا. كونها عنوان التقرير، فإن المضمون يرتبط بـ التنميط والذم تجاه الفئة المستهدفة، وقد يثير جدلًا ويعزز بيئة خصبة لخطاب الكراهية.

وجوه معروفة في السياسة والفن… كره السيادين لا حب الإيرانيين

الجملة موجهة نحو من شاركوا في إحياء ذكرى معينة، وتحمل رسالة إلى "حزب الله" بتجريد الحزب وبيئته من أي طابع لبناني. كما أنها تصنف الناشطين والإعلاميين والفنانين بأنهم "لا سياديون" لمجرد معارضتهم لطرف آخر، مما يعكس لغة تصنيفية وتحريضية تعزز الانقسام السياسي في لبنان.

الشتام غسان سعود فهو يقتات حينا  من فتات العونين وأحيانا من فضلات الحزب ويمسح شاربيه

تأتي هذه الجملة كرد على الهجوم الذي شنه الصحفي غسان سعود على رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام. اللغة هنا هجومية ولاذعة، تهدف إلى تحقير أو استفزاز الشخص الموجه إليه الكلام، وتعد مثالًا على الهجمات الشخصية في سياق التقرير.



عدوى النشر واتساع الجدل

عقب بثّ قناة "إم تي في" تقريرها في النشرة المسائية ونشره على موقعها الإلكتروني، شهد المقطع تداولاً واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث استقطب معدلات عالية من المشاهدة والتفاعل. وسرعان ما تحوّل إلى مادة جدلية تحت وسم #مسيحيون_ذميون، الذي شكّل بؤرة لنقاشات حادة طغى عليها البعد الطائفي والانقسام السياسي.

برزت في هذا السياق مداخلات عدة: الصحافي أحمد طه أعاد نشر التقرير مرفقاً باتهامات مباشرة لمعدّه، واصفاً إياه بالمرتشي والمتحامل سياسياً. الإعلامي فادي نزال اتخذ مساراً مختلفاً، موجهًا خطابًا إلى الصحافية نوال بري، طرح فيه أسئلة مشبعة بالتصنيف المذهبي والتأطير السياسي، معتبراً التقرير أداة "تطويع طائفي" و"اغتيال معنوي" للمعارضين. في المقابل، أرجعت الناشطة جوسي حنا خليفة مسؤولية الأوضاع المجتمعية إلى الفئة المستهدفة في التقرير، بينما ذهب غابي إلى أبعد من ذلك عبر تعميمات قاسية وصف فيها المسيحيين "الذميين" بأنهم جعلوا من الخضوع عقيدة ومن الذل هوية.

هذا النمط من التفاعل يكشف أن التقرير تجاوز وظيفته الإعلامية التقليدية، ليصبح محفّزاً لإعادة إنتاج خطاب الكراهية. فقد تحوّل إلى مساحة مفتوحة للتجريح الشخصي، وتصفية الحسابات السياسية، وترسيخ الصور النمطية الطائفية، ما يعكس حجم الاستقطاب العميق الذي يطبع المجال العام اللبناني، ويؤكد قابلية الخطاب الإعلامي المثير للجدل للتحول إلى عامل مضاعف للانقسام.

انتهاك المعايير الإعلامية:

يُظهر التقرير استخدام لغة وعبارات غير متناسبة مع الظروف الحساسة التي يمر بها لبنان وافتقاره إلى المسؤولية في الطرح، ما يشكل انتهاكا للمعايير الإعلامية التي يفرضها  ميثاق الشرف الإعلامي على الخطاب العام وتحديدا في المادتين 2 و 13.

تنص المادة 2 على:

"الالتزام بالعمل على تأكيد الوحدة الوطنية والعيش المشترك والتزام احترام الأديان وعدم إثارة النعرات المذهبية والطائفية والتحريض على العصيان العنفي أو ارتكاب الجرائم والامتناع عن عبارات التحقير".

أما المادة 13 فتنص على: "الحرص على تفادي الأخطاء أو استخدام مفردات القدح والذم والتشهير والتمييز، أو إظهار الإنحياز (إلا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي)، والحرص على إيصال المادة الإعلامية إلى الجمهور بطريقة موضوعية وموثوقة وواضحة تحافظ على صحتها ودقتها وصدقيتها وشفافية مصادرها وفقًا لأحكام الدستور والقانون وحقوق الملكية الفكرية بما يعكس الوجه الحضاري للبنان".


النتيجة:

أظهر الرصد أن العبارات الواردة في التقرير حملت لهجة تحريضية واستفزازية ضد فئة محددة، مما ساهم في ارتفاع خطاب الكراهية والانقسامات بين المكونات اللبنانية على منصات التواصل الاجتماعي.