من "سندريلا" إلى "أمنا الغولة": دور قصص الأطفال في تكريس الصور النمطية للنساء

image
الصورة تعبيرية بتقنية AI
خطاب كراهية منوعات 2025-10-09


شييك : ناهلة سلامة

يسلط تقرير "شييك" الضوء على ترسيخ قصص الأطفال للصور النمطية عن النساء منذ الصغر، محددة أدوارهن ومحدودة مشاركتهن في المجتمع.


يقوم هرم الكراهية على عدة مستويات تبدأ من التنميط والتمييز وصولًا إلى الخطاب الإقصائي والعنف المباشر. في هذا السياق، لا يمكن تجاهل قصص الأطفال، إذ تُعيد هذه القصص تقديم صور متكررة  للنساء: أميرة تنتظر البطل الشجاع، فتاة تُختصر حياتها في المطبخ، زوجة أب شريرة تكره إبنة زوجها، و أخوات غيورات يكرهن البطلة. 

إلى جانب ذلك، تفرض هذه القصص معايير شكلية تختزل الجمال في الجسد الممشوق والشعر الطويل والنعومة المطلقة، وتربط الفضيلة بالمظهر الخارجي و السذاجة المطلقة. كما تُغيّب أي تنوعٍ في الشكل أو اللون أو الإعاقة، ولا يظهر هذا التنوع إلا نادرًا في قصص استثنائية خارج إطار الحكايات الكلاسيكية، دون التطرق إلى النجاح الأكاديمي أو العملي الذي قد تحققه المرأة في حياتها.


أمثلة عالمية: الأميرات والحب المشروط بالجمال

قصة سندريلا

تُظهر حكاية سندريلا أن الجمال والسحر هما أساس الحصول على الحب وتحقيق الأحلام، بينما يختصر الأمير الوصول إلى فتاة أحلامه بالحذاء الزجاجي دون الالتفات إلى شخصيتها أو حياتها. في المقابل، تُقدَم زوجة الأب والأختان كرمز للشر والغيرة والمنافسة.

قصة سنووايت

كيف تأكلين التفاحة يا سنووايت؟ هذا هو السؤال الجوهري في القصة. تسقط البطلة في غيبوبة طويلة بسبب سذاجتها وعدم معرفتها بالمخاطر. ولا تستيقظ إلا بقدوم فارس الأحلام لينقذها.  تُكرس القصة صورة المرأة العاجزة مقابل الرجل المنقذ. وتضع النساء في منافسة على الجمال والسلطة، والتطبيع مع سلوكيات العنف والتحرش.


قصص شعبية عربية: الأم المخيفة والأم التابعة

نصف امرأة ونصف وحش، تخرج في الليل من الغابات والأحراش لتخطف الطفلات اللواتي يسرن بمفردهن (بحسب الرواية)، ثم ينقذهن الفتيان الشجعان.

ورغم أن الهدف الأساسي من الرواية تحذير الأطفال من خطورة الغرباء. فإنها تكرس الخوف في نفوس الطفلات، وتُظهر الفتيان بلا خوف، قادرين على الحماية.


أبي يقرأ الجريدة و أمي في المطبخ

هذا النص يأتي ضمن كتب القراءة الإبتدائية العربية يصور الأب المتعلم المتابع للأخبار، بينما ينحصر دور النساء في العمل المنزلي ورعاية الأطفال. 

هذه الصورة تكرّس صورة الأم في موقع أدنى، مقابل الأب الذي يؤدي الدور الفكري الطبيعي، مقدِّمةً إياها في صورة تابعة بلا وجود إجتماعي خارج المطبخ. 

كيف تتحول القصص إلى تمييز بنيوي؟

تتحول القصص إلى أداة للتمييز البنيوي عندما تثبّت قوالب سلوك وأدوارًا جندرية نمطية تعكس انحيازات اجتماعية عميقة تتكرر عبر الأجيال وتتنوع الثقافات

قام باحثون بإجراء تحليل واسع النطاق لحكايات خرافية من ثقافات متنوعة حول العالم بهدف دراسة التحيز الجندري على مستوى عالمي وإبراز أنماط هذا التحيز عبر مختلف المجتمعات.


أظهرت دراسة بعنوان "The gendered behaviors displayed by Disney protagonists" نُشرت في 5 مايو/أيار 2024 بمجلة Frontiers in Sociology، تحليلًا كميًا لـ 39 شخصية رئيسية من أفلام ديزني بين 1937 و2021، كشفت أن الشخصيات الذكورية والأنثوية تميل إلى تجسيد سلوكيات أنثوية أكثر من الذكورية، مع ضعف تمثيل السلوكيات الجندرية المحايدة، حيث ظهرت الشخصيات النسائية القديمة مقيّدة بقوالب نمطية تقليدية كالرقة والطاعة، فيما أظهرت الشخصيات النسائية الحديثة سمات القيادة والاستقلالية، بينما ظلت الشخصيات الذكورية محافظة على تمثيل نمطي مستقر عبر الزمن. 

وأكدت الدراسة ارتباط متابعة أفلام ديزني بزيادة السلوكيات الجندرية النمطية لدى الأطفال، موضحة استمرار ديزني في إعادة إنتاج أدوار الجنسين التقليدية رغم بعض التطورات الطفيفة. 


وفي دراسة أخرى نُشرت عام 2022 على منصة arXiv بعنوان "A Moral- and Event-Centric Inspection of Gender Bias in Fairy Tales at a Large Scale"، تم تحليل 624 حكاية خرافية من سبع ثقافات مختلفة، وأظهرت تفوق الشخصيات الذكورية في العدد، مع ارتباط الفتيات بالأعمال المنزلية والمظهر والرعاية، والذكور بالمهن والسلطة والعنف، مع تصورات أخلاقية تعكس أدوارًا نمطية متباينة عبر الثقافات لكنها حاضرة في كل الحكايات، مؤكدة على ضرورة تعزيز تمثيلات أكثر توازنًا في الأدب الشعبي ورفع الوعي بالتحيز الجندري.


تأثير القصص النمطية وأهمية تنوع الشخصيات في أدب الأطفال

تشير رانيا البوبو، معالجة نفسية وخبيرة بالصعوبات التعلمية، في حوار مع منصة "شييك"، أن القصص التقليدية مثل الأميرة النائمة وسنو وايت وسندريلا وقصص مثل ليلى والذئب ليست مجرد تسلية، بل تشكل أثرًا عميقًا في وعي الطفل/ة ولا وعيه/ا، فهي تقدم المرأة بصورة نمطية: إما جميلة وسلبية تنتظر منقذًا، أو شريرة تسعى للسيطرة، بينما يُصوّر الرجل كبطل شجاع ومنقذ، يُنهي القصة بالزواج أو الخلاص. في المقابل، تكاد صفات التعاون والمشاركة في التربية أن تغيب، ما يحصر الرجولة في القوة والسيطرة. 

وتوضح "البوبو" إلى أن هذه الصور النمطية تُزرع في لا وعي الأطفال: الفتيات يربطن قيمتهن بالجمال والطاعة، والصبيان يرون قيمتهم في القوة والسيطرة. وعندما لا تتوافق شخصية الطفل مع هذه القوالب، يشعر بالنقص أو بعدم الانتماء؛ فالفتاة التي لا تشبه "الأميرة المثالية" قد ترى نفسها ناقصة، والصبي الذي لا يتمتع بالقوة الجسدية قد يشكك في رجولته. 

كما تشير إلى أن هذه القصص لا تكرّس فقط صورًا فردية، بل تراتبية جندرية كاملة: الرجل في موقع القرار والسيطرة، والمرأة في موقع التبعية، وهذا النمط ينتقل عبر الأجيال ويصبح جزءًا من اللاوعي الجمعي. 

لذلك، تؤكد "البوبو" أن دور الأهل والمربين ليس حرمان الأطفال من هذه القصص، بل مناقشتها وتشجيع التفكير النقدي، وإعادة تخيل الأدوار والنهايات لإتاحة الفرصة للأطفال لابتكار بدائل وشخصيات غير نمطية، مع ضرورة إدراك أن القصص ليست حقائق مطلقة بل احتمالات متعددة، مختتمة بأن الحاجة اليوم لقصص تقدم شخصيات واقعية ومتنوعة من نساء طموحات ورجال متفهمين ومتعاونين هي السبيل لغرس قيم أكثر عدالة منذ الطفولة.

منظور علم الاجتماع: أدب الأطفال كآلة للتنشئة

من منظور علم الاجتماع، يعتبر د. سعيد نجدي، المتخصص في علم الاجتماع، في حوار خاص مع "شييك"، أن أدب الأطفال يعمل كآلة للتنشئة الاجتماعية، حيث ينقل ما يسميه بورديو "الهابيتوس"، أي المجموع المكتسب من القيم والسلوكيات المؤنسنة. وعندما تُقدَّم الفتيات دائمًا كمسالمات أو خجولات، يتم تغذية أنماط سلوكية تهيئهن لقبول أدوار محدودة، غالبًا عبر العنف الرمزي، حيث تُعرض الأدوار النمطية بوصفها طبيعية وغير قابلة للنقاش. 

ومن منظور آخر، توضح جوديث بتلر، أن الجندر هو أداء متكرر حتى يبدو حقيقيًا، حيث تقدم النصوص والرسوم للأطفال "نماذج" جاهزة لكيفية الجلوس أو الكلام أو الطموح، فتتحول هذه الأدوار المتوقعة إلى هوية. ويزداد تأثير ذلك بفعل الطابع المؤسسي للمدارس والمكتبات، مما يجعل التكرار أكثر رسوخًا.

ويؤكد "نجدي" أن التأثير عميق ومتشابك؛ ففي الطفولة المبكرة تُزرع توقعات تحدد ما "يجب" أن تكون عليه الفتيات أو الفتيان، مما يوجه لاحقًا خياراتهم الدراسية والمهنية. ويسهم ذلك في تكوين رأس مال ثقافي غير متوازن، إذ تُقدَّر صفات مثل العقلانية والقيادة للرجل، بينما تُحرم الفتيات من فرص موازية، ما يؤدي إلى ضعف الثقة والوكالة لدى الفتيات، وتثبيت الفوارق في سوق العمل، وغياب النساء عن مراكز القرار. وفي النهاية، تُعاد إنتاج الهيمنة عبر الأجيال، مع آثار نفسية واجتماعية تشمل الشك الذاتي والضغط المستمر للتماهي مع القوالب الجندرية.

أما عن التنميطات الجندرية، فيوضح "نجدي" أن الأمر مزدوج، إذ أحيانًا تكون التنميطات غير مقصودة نتيجة "السهو الثقافي" واعتماد المؤلفين على الحسّ المشترك، وأحيانًا تكون مقصودة لتعكس قيمًا دينية أو وطنية أو أخلاقية. كما يلعب اقتصاد النشر دورًا أساسيًا، إذ يفضّل الناشرون ما "يبيع"، وغالبًا ما تكون الصور التقليدية أكثر رواجًا. وفي كلتا الحالتين، تكرّس المؤسسات التعليمية والثقافية هذه الأنماط وتعيد إنتاجها.

لذلك، يقدم "نجدي" توصيات عملية تتمحور حول كسر القوالب النمطية، وإدراج نماذج مهنية متنوعة، وتبني نهايات مرنة، وإشراك الأطفال في مراجعة النصوص، مما يجعل التنوع الإنساني معيارًا طبيعيًا في أدب الأطفال. وهو ما يتوافق مع رؤية "البوبو" في إعادة تخيّل الشخصيات والنهايات لتعكس واقعًا أكثر عدالة وشمولية.

 من التنميط إلى العنف: موقعها في هرم الكراهية

وفقًا لمؤشر "شييك"، تقع هذه القصص في مستويات التمييز والتنميط  أسفل هرم الكراهية، وتسهم في إنتاج عنف قائم على النوع الاجتماعي، مما يعني أن تأثيرها الاجتماعي والنفسي قد يتحول لاحقًا إلى سلوكيات سلبية تجاه النساء والفتيات.

تشترك القصص العربية والأجنبية في تصوير النساء والفتيات ضمن معايير جمالية صارمة تطالب بالقبول المجتمعي، بينما يُصوَّر القبيح منها على أنه يعبر عن الرعب والخطر، ويرتبط بالعمل المنزلي أو يمثل زوجات الأب الشريرات. هذه الصورة تشكل كخريطة قديمة مفتعلة تهدف إلى تثبيت أدوار النساء المحددة وإعادة إنتاج خطاب التمييز والعنف ضدهن.

كما يظهر العنف القائم على النوع الاجتماعي في هذه الروايات كوسيلة مستترة لتكريس التمييز والتنميط، إلى جانب العنف البنيوي الذي يشكل الأساس لهذه المنظومة، مما يزيد من حجم العنف و يعزز الانقسام بين الجنسين ضمن إطار محدد مبني على أفكار مسبقة و أحلام غير واقعية.


الجانب الإيجابي

رغم التحيز الجندري السائد في معظم قصص الأطفال، شهدت الفترة الأخيرة بروز عدة قصص تُظهِر الجانب الإيجابي للفتيات والنساء كنماذج شجاعة ومستقلة. فقد برزت شخصيات جديدة في أفلام ديزني مثل "Encanto" و"Moana"، حيث تجسد هاتان الشخصيتان شجاعتهما واستقلاليتهما في مواجهة المخاطر والتحديات بعيدًا عن الصور النمطية ومعايير الجمال التقليدية، مما يعزز في ذهن الأطفال والطفلات مفاهيم القيادة والتمكين.

يشير هذا التطور إلى أهمية تعزيز الوعي المجتمعي من خلال تقديم قصص بديلة ومشجعة تعكس الأدوار الإيجابية للنساء خارج إطار التنميط والتمييز، وهو أمر ضروري لبناء مجتمع أقل عنفًا وأكثر عدالة. كما يُوصى بإدماج هذه الشخصيات القيادية ضمن المناهج الدراسية لتعزيز الأدوار الرعائية المتبادلة بين الجنسين، وتقديم صورة واقعية ومتوازنة عن المجتمع.

إن إعادة النظر في قصص الأطفال ليست ترفًا أو مجرد خيار، بل هي مدخل أساسي لبناء مجتمع أكثر مساواة وعدالة، حيث يُمكن للجيل الجديد أن يرى في القصص قدوة حقيقية تشجعه على البحث عن القوة والاعتماد على النفس والاحترام المتبادل بين الجنسين.



النتيجة

يكشف تقرير "شييك" كيف ساهمت قصص الأطفال في ترسيخ الصور النمطية للنساء منذ الصغر، محددة أدوارهن وتعزز التمييز الاجتماعي، مما يؤثر على مشاركتهن وفرصهن في المجتمع ويبرز الحاجة لتعزيز المساواة بين الجنسين.