لبنان
فريق شييك
أثار الكوميديان اللبناني ماريو مبارك—عضو مجموعة Awkward—جدلًا واسعًا بعد تداول مقطع من عرضه الكوميدي (ستاند أب) الذي قُدِّم ونُشر في 18 مايو/أيار 2025، وتضمن سخرية من حادثة دفن المسيح وقيامته. ورغم بقاء المقطع دون تفاعل يُذكر لستة أشهر، انفجرت موجة غضب ضده اعتبارًا من 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لتتحول سريعًا إلى حملة واسعة اعتبرت المحتوى “إساءة للمسيح” و“تطاولًا على المقدسات المسيحية”.
في المقطع الممتد من الدقيقة 11:27 حتى 14:00، استخدم مبارك عبارات ساخرة متعلقة بيسوع المسيح مثل: “المسيح قام بس بيّك بعد ما قام”، “دفن يسوع ما كان منيح لأنو رجع قام”، “بحسّو مهضوم”، إضافة إلى عبارات كوميدية أخرى. هنا
هل يمثّل هذا الفعل خطاب كراهية أم تعبيرًا فنيًا أثار ردود فعل كراهية؟
تحريض على القتل
اعتمد فريق «شييك» في هذا الرصد على عيّنة عشوائية من التعليقات والتفاعلات المنشورة في 26 و27 تشرين الثاني 2025 هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا ، بهدف تتبّع مستويات خطاب الكراهية التي طالت الكوميدي ماريو مبارك، وتحديد ما إذا كانت اللغة المستخدمة ترتقي إلى حدّ التحريض على العنف أو القتل.
تمثل هذه العيّنة التفاعلات المنشورة خلال الفترة بين 26 و27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، والتي تضمنت دعوات صريحة للأذى والقتل. ركّز التحليل على التعليقات التي تحمل تهديدات مباشرة لسلامة المستهدف ودعوات واضحة لقتله عبر منصات التواصل الاجتماعي هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا
تُظهر العيّنة بوضوح انتقال الخطاب من دائرة السخرية إلى مستوى التهديد المباشر. فقد وردت عبارات تنطوي على تعهّدات شخصية بالملاحقة، أبرزها: "وعد لح انكشك ولاقيك"، وهي صيغة لا تعبّر فقط عن الغضب، بل عن نيّة فعلية تتجاوز التهجم اللفظي إلى التربّص. ويبرز هذا التصعيد أيضًا في دعوات صريحة لحشد الجمهور للمشاركة في عملية التتبّع، مثل: "يلي عندو معلومات عنه يبعتلي عالخاص"، ما يحوّل المتفاعلين إلى جزء من الفعل التحريضي، ويضع الضحية في موقع تهديد فعلي.
في المقابل، تشكّل عبارات أخرى مستوى أعلى من العنف الرمزي والجسدي، إذ وردت جملة: "حابب كتير اطبع رقم ٤٢ على رقبتك وهيدا رقم حذائي"، وصولًا إلى تهديدات صريحة تُحاكي الاعتداء الجسدي مثل: "فرجيك نجوم الضهر" و"دفنك عالمظبوط"، وهي تعبيرات تُستخدم عادةً للإشارة إلى الضرب المبرح أو القتل.
ولا يقتصر الخطاب على التهديد، بل يشمل أيضًا لغة إهانة عبر أوصاف مثل "قريع" و"جعيص"، إضافة إلى عبارات إقصائية تدعو إلى التصفية مثل "طعمرك" و"إنقبر"، وهي كلمات تُسهم في خلق صورة ذهنية تُشرعن الاعتداء وتجعله مقبولًا ضمن دائرة «الاستحقاق».
وتكمن خطورة بعض التعليقات في الإشارة إلى معرفات بمكان وجوده خارج لبنان. ففي تعليق ورد نصه: "مع العلم هل اهبل موجود بكندا بالوقت الحالي ولكن مش مقيم هونيك"، ما يوحي بتتبّع حقيقي يتخطى الإطار الرقمي، ويؤسس لتحريض عابر للمسافات.
التفاعل الرقمي
تمثل المجموعة الثانية من العينة تفاعلات الجمهور على منصات التواصل الاجتماعي خلال الفترة بين 25 و29 تشرين الثاني 2025، وتركّز على رصد التعليقات المصنّفة كـ عنف لفظي مباشر وصريح. هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا
تحمل هذه الجمل لغة تحريضية واضحة، تتألف من شتائم واتهامات تهدف إلى إثارة الكراهية، حيث وُصف الشخص بألفاظ مثل "سقوطٌ أخلاقي"، "انحطاط"، و"ابن حرام"، إلى جانب تصويره بشكل شيطاني ضمن سياق ديني، ما يغذي العنف اللفظي.
كما تتخلل الجمل عبارات مثل "قليل القيمة"، "فاشل"، و"الفن الشيطاني"، التي تزيد من استهدافه وتطالب بالكراهية والنبذ، لتشكّل خطابًا عدائيًا يمهّد للتحريض على العنف والقتل.
في المقابل، دافع البعض عن ماريو مبارك باسم حرية التعبير، معتبرين أن ما حدث مجرد عمل فني لا يستهدف الإساءة المباشرة، وأعلنوا مواقفهم عبر تعبيرات متباينة، منها: "المجتمع الذي يخاف من نكتة، ولا يخاف من الساطور، هو مجتمع يخنق نفسه." كما أبدوا تضامنهم مع ماريو مبارك في مواجهة ما وصفوه بـ القوى الميليشياوية والرجعية والقمعية. هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا،هنا
يوضح الجدول التالي تفسير التفاعلات الرقمية وفق معايير شييك، موضحًا مستوى العنف اللفظي والتحريض والكراهية في كل تعليق، ما يتيح فهم طبيعة كل تفاعل والتفسير حسب المعايير الدولية.
هاشتاق #ماريو_مبارك
شهدت منصة "إكس" خلال الفترة من 26 إلى 30 نوفمبر 2025 انتشارًا لافتًا لهاشتاغ #ماريو_مبارك. بحسب تحليلات أداة Tweet Binder، سجّلت الحملة 200 تغريدة حققت 268,351 انطباعًا فعليًا، بينما بلغ الوصول المحتمل 2,112,893 مستخدمًا، وحققت الانطباعات المحتملة 3,067,928، محققة قيمة اقتصادية تُقدّر بنحو 7,961 دولارًا أميركيًا.
على صعيد المساهمين، شارك 160 مساهمًا بمعدل 1.25 تغريدة لكل مساهم، وهو معدل منخفض يشير إلى تفاعل تلقائي أكثر من كونه حملة منظمة. شكلت إعادات التغريد 47.5% من المحتوى (95 ريتويت)، بينما بلغت نسبة الردود 16% (32 ردًا) والتغريدات الأصلية 16% (32 تغريدة). يوضح هذا التوزيع غياب أنماط الحملات المنظمة ويعزز فرضية أن التفاعل جاء بشكل عفوي وطبيعي من الجمهور.
مستوى التفاعل
يكشف التحليل عن ضعف نسبي في مستوى التفاعل، فقد بلغ متوسط الإعجابات للتغريدة الواحدة 0.78 فقط (156 إعجاباً إجمالياً)، بينما سجل متوسط الانطباعات نحو 1,341 انطباع للتغريدة، ما يعني أن معدل التفاعل لم يتجاوز 0.06%.
تشير هذه الأرقام إلى أن الحملة حققت مشاهدات معتبرة، لكنها تبقى ضمن نطاق التفاعل الضعيف إلى المتوسط، إذ لم تترجم هذه المشاهدات إلى مشاركة أو انخراط فعلي كبير من المستخدمين.
الحسابات الأكثر تأثيرًا في الحملة الرقمية
ساهم المؤثرين والحسابات الكبرى في زيادة انتشار الحملة الرقمية، حيث تصدّر حساب "Lebanon Debate" القائمة بقيمة تأثير اقتصادية بلغت 3,417 دولارًا وعدد متابعين 646,196، يليه حساب جريدة "الأخبار" بقيمة 1,920 دولارًا وعدد متابعين 601,364، ثم حساب الإعلامية ديانا مقلد بقيمة 696 دولارًا، ما يوضح مدى تأثير هذه الحسابات في زيادة انتشار الهاشتاج وتوسيع نطاق الوصول.
البنية الهاشتاغية للحملة
تركزت الحملة بشكل رئيسي على هاشتاغ واحد هو #ماريو_مبارك، الذي سجّل 63 استخدامًا، إلى جانب مجموعة من الهاشتاغات الثانوية العربية التي لم تتجاوز كل واحدة منها 8-9 مرات، بالإضافة إلى هاشتاغ "#AWKWARD" الذي ظهر 8 مرات.
المركز الكاثوليكي يرد
عبّر مدير المركز الكاثوليكي للإعلام المونسنيور عبدو أبو كسم في مقابلة تلفزيونية له على قناة الجديد بتاريخ 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025، هنا عن رفضه الشديد لما ورد في عرض ماريو، معتبرًا أن المشهد يتجاوز حدود السخرية ليتطاول على أحد أهم رموز الإيمان ومعانيه الروحية.
ودعا النيابة العامة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية، مشددًا على أن حرية التعبير، لا تبرّر الاستفزاز المتعمد لمشاعر المؤمنين، ولا يمكن استخدامها غطاءً لتبرير خطاب جارح أو مسيء.
واعتبر أبو كسم أن توقيت انتشار المقطع قبل أيام من زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان هو "توقيت خبيث" ويزيد من خطورة الرسالة التي يحملها، مطالبًا بترسيخ معايير تضمن بقاء الفن مساحة للنقاش لا منصة للتحقير.
الإعلام اللبناني
تنوعت مقاربات وسائل الإعلام اللبنانية في تغطية قضية ماريو مبارك، حيث اختلفت زوايا المعالجة بين المنصات، وذلك بتاريخ 27 و28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.
سلطت منصة "ميغافون" الضوء على التحريض الموجه ضده، مؤكدة على ضرورة ضبط الخطاب العام للحد من تصاعد لغة الكراهية. وقدمت منصة "نقد" معالجة تحليلية دقيقة للجوانب القانونية والاجتماعية للقضية، بينما تناولت منصة "درج" الموضوع من منظور نقدي يعكس الجدل المجتمعي حول حرية التعبير والدين، مع الحفاظ على توازن الخطاب.
من جهة أخرى، ركزت بعض الوسائل الإعلامية، مثل "ليبانون ديبايت" MTV، على الجوانب القانونية للشكوى المرفوعة ضده وتحليل الجدل المرتبط بعرضه.
المخالفة المهنية
تشكل أي حملة رقمية أو إعلامية تتضمن تهديدًا بالقتل أو تحريضًا على العنف مخالفة للقوانين اللبنانية وميثاق الشرف الإعلامي (المادة 2)، الذي ينص على احترام الأديان، ومنع التحريض على العصيان العنيف أو التحقير، كما تتعارض مع معايير مجتمع منصة "إكس".
وفقًا لقانون العقوبات اللبناني، المادة 473: "من يجدّف على اسم الله علانية يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة"، والمادة 474: "من يحقّر الشعائر الدينية التي تُمارس علانية أو يحثّ على الازدراء يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات".
خطة عمل الرباط
تقدم خطة عمل الرباط معايير لتحديد حدود حرية التعبير والتحريض، مع اختبار من ستة أجزاء يشمل السياق السياسي والاجتماعي، والنية، والمحتوى، ومدى انتشار الخطاب، واحتمالية إحداث ضرر، ما يساعد على التمييز بين الخطاب المحمي وخطاب الكراهية.
النتيجة
أظهرت النتائج أن عرض ماريو مبارك أثار جدلاً حول حرية التعبير والمقدسات الدينية، ورصد فريق شييك تفاعلات رقمية تمثل خطاب كراهية مع دعوات للعنف وتهديدات شخصية.